الجمعة 26/04/2024
07:46 بتوقيت المكلا
الأمن والاستقرار مطية الحضارة

الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين ، أنعم على المؤمنين بالأمن ماداموا إخوانا متحابين ، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ، أرسله رحمة للعالمين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سبيله إلى يوم الدين 0
   أما بعد : عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والجهر 0
أيها المؤمنون :
     إن العلماء بعد نظرهم في تاريخ الحضارات الإنسانية والاعتبار بأحداثه ووقائعه تقرر عندهم أن الأمن والاستقرار إذا ألقى بظلاله على أمة من الأمم فانه يكون لها مطية إلى التقدم والازدهار وتحقيق الرخاء والرفاهية لجميع أفرادها .
    وذلك لأن الأمن والاستقرار ركن أساسي من أركان البناء الحضاري ، فهو يهيئ البنية الاجتماعية والنفسية والعلمية لانطلاق أفراد المجتمع جميعا نحو مسيرة النهضة والتنمية الشاملة فتتعاون في ظل الأمن والاستقرار العقول المبدعة المستنيرة مع الأيدي العاملة المخلصة الأمينة .. وتتطور المؤسسات العلمية ويزداد عددها ويتسع انتشارها لتتوفر للمجتمع حاجاته من العلماء والأطباء والمهندسين والمتخصصين في مختلف فروع العلوم والمعارف ، وتبنى المستشفيات والمراكز الصحية في كل أنحاء الوطن ليجد كل مواطن العلاج المناسب فتختفي الأمراض والأوبئة .
  وفي ظل الأمن والاستقرار تستثمر خيرات الوطن وثرواته وتستصلح أراضيه الزراعية وتزدهر التجارة فينمو اقتصاد البلاد ويجد المواطن فرص العمل المتنوعة ويأمن البطالة والفاقة .
    وفي ظل الأمن والاستقرار يقام العدل وتحترم القوانين وتشيع قيم العدل والمساواة والإخاء والتسامح فيعم البلاد الاطمئنان ويأمن الناس على حقوقهم وأموالهم وأعراضهم وحرياتهم وكرامتهم .
      وفي ظل الأمن والاستقرار تتوطد العلاقات الدولية مع بلاد العالم كله ، فيكون الاحترام الدولي المتبادل ويكون التعاون القائم على المصالح المشتركة بعيدا عن الهيمنة والاستغلال .
عباد الله :
   إننا عندما نتأمل في كتاب الله تعالى الذي فيه بيان كل شئ بجد أن إبراهيم عليه السلام لما أمره الله تعالى أن يسكن أهله في مكة سأل ربه أن ينعم على هذا المجتمع الناشئ بالأمن قال تعالى ( وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات ) وذلك ليقين إبراهيم عليه السلام بأهمية الأمن والاستقرار في بناء المجتمعات .
     ويشير القرآن إلى نعمة الأمن الذي قامت في ظله حضارات الأمم السابقة فقال تعالى عن حضارة قوم صالح : ( أتتركون فيما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون) 0
     وقال تعالى عن حضارة قوم سبأ التجارية :( وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين ) .
      وقال تعالى عن قريش : ( أولم نمكّن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كلّ شئ رزقا من لدنّا ولكنّ أكثرهم لا يعلمون ) .
     وقال تعالى : ( فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) .
عباد الله المؤمنين :
  إننا نرى الأمم المتحضرة في عصرنا هذا أن ما تحقق لها من القوة والسيادة والرخاء نالته بما يوفر لها من حظ الأمن والاستقرار في ربوع أوطانها ، وإننا نرى أن امتنا العربية والإسلامية تعيش منذ قرون في تخلف وفقر ومذلة بين الأمم.
     فنتساءل عباد الله عن أسباب هذا التخلف والفقر والمذلة فنجد أن ما تفقده بعض بلادنا العربية والإسلامية هو نعمة الأمن والاستقرار ، فإننا إذا تتبعنا أحداث تاريخنا الإسلامي منذ انتهاء الخلافة الراشدة إلى يومنا هذا نجده صراعا داميا بين بعضنا بعضا راحت ضحيته ملايين الأرواح المسلمة البريئة واستغرقت نفقاته مقدرات وإمكانيات الأجيال جيلا بعد جيل .
إخواني عباد الله :
     جاء في صحيح مسلم في باب الفتن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إني سالت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة – أي قحط أو مجاعة أو كارثة طبيعية من زلازل وبراكين – وإلا يسلط عليها عدوا من سوى أنفسهم – أي أجنبي – فيستبيح بيضتهم ، وان ربي قال : يا محمد إني قضيت قضاء فانه لا يرد واني أعطيتك لامتك أن لا أهلكهم بسنة عامة ، وان لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليها من أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا ).
    والحديث الشريف يشير إلى انه لا يكون هلاك لهذه الأمة بقحط أو مجاعة أو كارثة طبيعية ، ولا بعدوان خارجي من غير المسلمين يهلك الأمة ويبيدها ، وإنما يكون عذاب متمثل في تقاتل وتناحر ينشأ بين المسلمين بعضهم بعضا ، وهو عذاب يمكن النجاة من وقوعه إذا اعتصمت الأمة بحبل الله تعالى وأقام المسلمون فيما بينهم قيم الدين وعدل الله وأصلحوا ذات بينهم .
    ولنتقي عباد الله غضب الله وعذابه ، ولينعم جلّ وعلا علينا من فضله بالأمن والاستقرار ، فان علينا العمل بأمور أربعة :
    أولا : أن نجتنب تحكم الهوى في تصرفاتنا وأقوالنا ، فان الهوى يؤدي إلى التسلط والاستعلاء والاستكبار ، قال تعالى : ( ومن أضلّ ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ).
   ثانيا : أن نبتعد عن التفرق والغلو والتطرف ونعتصم جميعا بدين الله ونكون إخوانا متحابين متآلفين ، قال تعالى : ( ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ).
   ثالثا : أن نتوقف عن ظلم بعضنا بعضا أو استغلاله أو استعباده ، فلا يظلم مسلم أخاه المسلم ولا يستغل ضعفه ولا يعتدي على حريته وكرامته ، فان المظالم تولد الأحقاد ، وتدفع إلى العنف والتطرف ، قال تعالى : ( إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق ألئك لهم عذاب أليم ) .
   رابعا : أن يخضع جميع المواطنون لسلطة القانون والمساواة أمام القضاء ، فلا تمييز بين مواطن وآخر بسبب عصبية أو طائفية أو حزبية ، وان نشيع العفو والتسامح ، فلا يكون للحقد والتشفي وحب الانتقام مكان في القلوب ، قال تعالى : ( ياأيّها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إنّ الله خبير بما تعملون ) .
عباد الله :
    يقول الله تعالى وهو أصدق القائلين : ( فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم )، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكّننّ لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ) .
               بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم ، أقول قولي واستغفر الله لي ولكم ولوالدي ولوالديكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
 اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد فيا عباد الله : أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته .
عباد الله :
   إن من اكبر الكبائر والموبقات وأعظم الجرائم المهلكات قتال المسلمين بعضهم بعضا لحظوظ الدنيا والحمية والعصبية التي هي من أمور الجاهلية ، وقد قال الله تعالى : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما )
    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار .. قالوا : هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : انه كان حريصا على قتل صاحبه ) وقال صلى الله عليه وسلم في خطبة يوم النحر في حجة الوداع : ( إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ، ويحكم لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) وقال صلى الله عليه وسلم : من أعان على قتل مسلم بشطر كلمة لقي الله مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله ) .
 عباد الله :
   هذه الآيات من كتاب الله المبين تحرم قتل المؤمن لأخيه المؤمن ، وتلك الأحاديث النبوية الشريفة تحذر من الرجوع عن الدين وضرب بعضنا لرقاب بعض ، فهل اطعنا الله ورسوله ؟ .
إن امتنا لن تتقدم وتستعيد مجدها ومكانتها بين الأمم المتحضرة إلا إذا عمّ الأمن والاستقرار مجتمعنا المسلم ، ولن يحدث هذا الأمن والاستقرار إلا إذا نبذنا الصراعات السياسية والعصبية والطائفية وكنا إخوانا مسلمين يحب المسلم لأخيه ما يحب لنفسه .
     مالم فإننا نكون مستحقين لعذاب الله والعياذ بالله ، وعذابه متمثل في أن يظل المسلمون يتناحرون ويتصارعون مع أنفسهم والأمم حولهم تتقدم وتزدهر وتتمتع بالرخاء والرفاهية .
       وصلّوا وسلّموا على من أكرمه ربه عليه وملائكته وأمركم بهما تكريما وتشريفا وتعظيما فقال : (( إنّ الله وملائكته يصلّون على النبي ياأيّها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما )) اللهم صلّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم انك حميد مجيد .
      وارض اللهم عن أصحاب نبيك الكرام ، وعن سبطي نبيك سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين وعن أمهما الزهراء سيدة نساء المؤمنين وأمها خديجة الكبرى المخصوصة بالسلام من رب العالمين وعن عمي نبيك حمزة والعباس ، وعن أزواجه أمهات المؤمنين المطهرات من الأدناس ، وعن جميع التابعين بإحسان إلى يوم الدين .
      اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ، اللهم ألف بين قلوب عبادك المؤمنين .
اللهم أصلح ذات بينهم وثبتهم على ملة رسولك ، اللهم لمّ شعثنا ووحد كلمتنا وأصلح ولاة أمورنا اللهم أصلح من كان صلاحه صلاحا لأمة محمد اللهم اهلك من كان في هلاكه صلاح لأمة محمد ، اللهم آمنا في أوطاننا وولي علينا خيارنا وادفع عنا أشرارنا ، اللهم ادفع وارفع غضبك ومقتك عنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا .
   اللهم ارخص أسعارنا وغزر أمطارنا واشف مرضانا وعاف مبتلانا وارحم موتانا 0
   اللهم ابرم لهذه الأمة أمرا يعز فيه وليك ويذل فيه عدوك ويعمل فيه بطاعتك ورضاك يارب العالمين .
  اللهم ربنا آتتا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .
عباد الله :
    إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمائه يزدكم ولذكر الله اكبر .



  • إقرا ايضاً