الخميس 25/04/2024
10:21 بتوقيت المكلا
خطبة جمعة بعنوان دعوة المجتمعات إلى الكسب والعمل وذم البطالة والتسول والتواكل

الخطبة الأولى
  الحمد لله رب العالمين حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده ، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله ، خير نبي أرسله ، أرسله الله بشيرا ونذيرا ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين .
     أما بعد ... فيا عباد الله أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله، أيها المسلمون :
   لقد وجهت الشريعة الإسلامية أفرادها إلى العمل ، وحثتهم على التّكسّب وطلب الرزق ، وبيّنت لهم أن الكسب باليد خير ما يجمع ، وهو سبيل أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام وحذرت اشد التحذير من الاعتماد على التسول واستجداء الناس والتذلل لهم ، لما يورثه من المذلة والمهانة في الدنيا والآخرة .
   فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( والذي نفسي بيده ، لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره فيأتي به فيبيعه فيأكل منه ويتصدق منه خير له من أن يأتي رجلا فيسأله أعطاه أو منعه )) متفق عليه ، وعن المقدام ابن معدي كرب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده ، وان نبي الله داؤود كان يأكل من عمل يده )) رواه البخاري . وقد سئل رسول الله : أي الكسب أفضل  ؟ قال : (( أطيب الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور )) .
    ومرّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فرأى أصحاب رسول الله من جلده ونشاطه فقالوا : يارسول الله ، لو كان هذا في سبيل الله ، فقال رسول الله : (( إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله ...)) إلى آخر الحديث.
    يتضح من كل ما تقدم تأكيد الشريعة الإسلامية على أهمية العمل والاكتساب ، وان على كل فرد قادر أن يسعى بنفسه لتحصيل ما يحتاجه من مقومات الحياة ، والله تعالى قد قدر الأرزاق وكتبها ، وعلى المرء أن يأخذ بالأسباب الممكنة لتحصيل الرزق وجمعه ، وان لا يبقى خاملا ينتظر رزقه ، فان الله تعالى أمر بالسعي في الأرض والتنقل بين أرجائها طلبا للعمل والكسب ، قال تعالى (( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور )) {الملك : 15}
       أيها المسلمون : أن الكسب باليد واتخاذ الحرف والصنائع سبيل أنبياء الله في الحياة وهدي نبوي عبّر عنه القرآن وسيد ولد عدنان صلى الله عليه وسلم ، فقد اخبر الله تعالى عن سيدنا داؤود عليه السلام بقوله جل شأنه (( وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من باسكم فهل انتم شاكرون )) { الأنبياء : 80} ، والمراد باللبوس هنا الدروع ، قال الإمام القرطبي في تفسيره : " هذه الآية أصل في اتخاذ الصنائع والأسباب ، فالسبب سنة الله في خلقه ، فمن طعن في ذلك فقد طعن في الكتاب والسنة ، وقد اخبر الله تعالى عن نبيه داؤود عليه اللام انه كان يصنع الدروع والخوص ، وكان يأكل من عمل يده ، وكان آدم حرّاثا ، ونوح نجارا ، ولقمان خياطا ، وطالوت دباغا وقيل سقاء ، فالصنعة يكف بها الإنسان نفسه عن الناس " انتهى .
   وقد ورد في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( كان زكريا نجارا )) قال الإمام النووي : " فيه جواز الصنائع وان النجارة لا تسقط المرؤة ، وأنها صنعة فاضلة " .
     لقد باشر الأنبياء كلهم عليهم الصلاة والسلام رعي الأغنام ، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ما بعث الله من نبي إلا رعى الغنم )) فقال أصحابه : وأنت يارسول الله ؟ فقال : نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة )).
     وكان كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحترفون بأيديهم تحقيقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن الله يحب المؤمن المحترف )) ، فهذا عبدا لرحمن بن عوف رضي الله عنه عندما قدم المدينة فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد ابن الربيع الأنصاري ، وعند الأنصاري امرأتان فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله فقال : ( بارك الله لك في اهلك ومالك ، دلّوني على السوق فربح شيئا من أقط وشيئا من سمن ) . رواه البخاري .. هكذا كان هديهم وهم يجسدون الإسلام انه دين عمل وبناء وليس دين ركود وكسل .
      والله يقول وبقوله يهتدي المهتدون جل جلاله : { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له و أنصتوا لعلكم ترحمون } وقال عز من قائل كريم { فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : (( ولقد آتينا داؤود منا فضلا يا جبال أوّبي معه وألنّا له الحديد * أن اعمل سابغات وقدّر في السرد واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير )) . بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا واستغر الله لي ولكم ولوالدينا ولوالديكم ولجميع المسلمين فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية
       أما بعد : فيا عباد الله أوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله
  أيها المسلمون : إن العمل مهما كان حقيرا فهو خير من البطالة ، حتى لقد قال الفاروق عمر رضي الله عنه : ( مكسبة في دناءة خير من سؤال الناس ) وقال : ( إني ليعجبني الرجل شكله فإذا سالت عنه فقيل لي : لا عمل له سقط من عيني ) ، فلا يليق بالرجل القادر أن يرضى لنفسه أن يكون حملا على كاهل المجتمع ، ثقيلا مرذولا ، وان يقعد فارغا من غير شغل ، أو يشتغل بما لا يعنيه ، فالمؤمن نزيه القلب شريف الخلق ، عزيز النفس ، فلا يرضى أن يكون عالة على الناس بطالا أو متسولا .
   وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ( شرف المؤمن صلاته بالليل وعزه استغناؤه عن الناس ) وقال أيضا (( لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه ،خير من أن يسال الناس أعطوه أو منعوه )) رواه البخاري .
    أيها المسلمون : إن التسول الذي شاع في مجتمعنا شيوعا كبيرا حتى أصبح حرفة تعلم ، وكلاما يلقن ، وعملا منظما ، وفنا يتخصص فيه ، حتى لا يستطيع الواحد أن يفرق بين الصادق في مسألته ، الصادق في فقره وحاجته ، وبين الكاذب فيه والمحتال . والبطالة هي من اخطر المشكلات الاجتماعية وأسوئها عاقبة وأشدها تأثيرا على طمأنينة الحياة ، وهناءة العيش لأنها تولد التسول والسرقة والغش والخداع وغيرها مما تعاني منه المجتمعات اليوم من المشاكل الاجتماعية المرتبطة بالدخل وتيسير أسباب الرزق والمعيشة ، أسبابها الخمول والكسل وعدم السعي لتنمية القدرات وتعلم الحرف والمهن وفتح آفاق ومجالات متنوعة للكسب والعمل ، والاتكال على مجال واحد والأنفة والتأفف من بعض الأعمال .
       أيها المسلمون : لقد بلغ عدد الحالات المعالة إلى نهاية عام 2005م في مديريات الوادي والصحراء كما بين ذلك مكتب الأوقاف والإرشاد بالوادي والصحراء وصندوق الرعاية الاجتماعية لشؤون الوادي والصحراء إلى { 15851} حالة بينما بلغ عدد الأفراد المعالين إلى { 51052} وهذا مما يؤكد على وجود شريحة كبيرة في مجتمعنا متقاعسة عن العمل وتعلم الحرف والمهن ولذا فإننا نهبب بالجميع إلى السعي للتعلم والتدرب على الحرف والصنائع المفتوحة آفاقها والمحتاج إليها الجميع ، وكما قيل سابقا ( حرفة في اليد أمان من الفقر )
  وفقنا الله وإياكم لأعمار هذا الكون على الوجه الذي يريده منا ويرتضيه وان يوسع أرزاقنا ويطيل أعمارنا في طاعته ومرضاته في خير ولطف وعافية .
   وصلوا وسلموا ............
  اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات ..............


  • إقرا ايضاً