السبت 23/11/2024
01:07 بتوقيت المكلا
خطبة حول التعداد السكاني أثره في توزيع الموارد وضبط العدالة الاجتماعية

الخطبة الأولى
     الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، واشهد ألاّ اله إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده ، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد :
    فيا عباد الله ، لقد خلق الله الكون وفق نظام بديع وصنع حكيم قدر فيه الليل والنهار و أجرى فيه البحار والأنهار ، وكون فيه الأحجار والأشجار ، وخلق فيه الأنس والجان ، و أوجد فيه صنوفا من الحيوان وجعل الأرض ذلولا لتكتسب من على ظهرها الأرزاق وليسعد الأحياء بالحياة دون عناء أو مشاق ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور ) .
    والناظر إلى خلق الله يجد آيات عظام دالة على عظم الخالق جل وعلا ، تزيد المؤمن إيمانا والموقن يقينا ، ( إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب ، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ) بناء محكم ، ونظام دقيق ، وتقدير من لدن عزيز حكيم ( الذي خلق فسوّى ، والذي قدّر فهدى ، والذي اخرج المرعى ) ، يجعل المسلم خاضعا لخالقه في سره وعلانيته ، حياته لله ومماته لله وعبادته لله وحركاته وسكناته لله ، وعلاقته وتصرفاته لله ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين )
عباد الله :
  إن النظام الكوني الذي أبدعه الخالق جل وعلا يعلّم المسلمين كيف يقيمون حياتهم وكيف يتكيفون وفقا لمتغيرات الزمان وتبدلات الأحوال فالعمر كله سنوات معدودة وشهور معلومة وأسابيع محدودة وأيام محسوسة أحصاه الله في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها .
   وكلما تقدم العمر بالإنسان اخذ منه العظة والعبرة واستعد ليوم الرحيل ويوم الوقوف بين يدي رب العالمين ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) .
  فيزن أقواله ، ويحسب أفعاله وتصرفاته ، ينظر مواقف لفظه قبل أن يقول ، ومواقع فعله قبل أن يفعل ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )  ( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن اقرب إليه من حبل الوريد ، إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) .
    إن حضارات الأمم والشعوب تقوم على أساس التخطيط والبرمجة وجمع البيانات والمعلومات والتي من خلالها يتم قيام نهضة تنموية شاملة تتحرى التوزيع العادل وفق معايير ثابتة تراعي طبيعة الموارد وعدد السكان ومقدار المساحة والاحتياجات الفعلية .
    هذه المعايير لايمكن أن تتحقق  إلا عن طريق الحصر والإحصاء للسكان والمساكن ، وهذا واجب تتحمله الدولة وواجب المواطن أن يعينها على تحقيقه و إنجاحه وليستبين الفوائد العظيمة التي سوف تعود على الوطن والمواطن بإذن الله وليكون الدافع لنا جميعا هو الإسهام الفاعل في تنمية البلاد ليعود علينا النفع العميم والخير الكبير ولتتحقق الغاية التي خلقنا من اجلها ، عبادة للخالق و إعمار للكون  ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور ).
    لقد أرشدنا القرآن الكريم من خلال توجيهاته وبيانه العد والإحصاء يقول الله تعالى ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين ) .
      فهذا النص القرآني يشير إلى أن هناك دورة زمنية ثابتة مقسمة إلى اثني عشر شهرا من خلالها يعرف العام وفصوله وما يجري فيه من أحوال ومعاملات وكيفية ضبط حركة الزمن وتحديد العلاقات الإنسانية القائمة على تبادل المنافع وقضاء المصالح إذ الإنسان مدني بطبعه فهو محتاج إلى غيره ولايمكن أن ينفرد بنفسه ولهذا أرسل الله الرسل عليهم الصلاة والسلام وانزل الكتب لتستقيم الأمة على منهج الله وتنقاد جميعها لشريعة الله وبها تنتظم حياة الأمة بعد معرفتها لكيفية أداء الحقوق أهلها . ويقول الله تعالى ( إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدّهم عدّا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) .
    فالكل آتي ربه يوم القيامة خاشعا خاضعا لا ولد ولا شريك ولا ندّ ولا معبود ، إنما خالق ومخلوق ، وعابد ومعبود ، فلا مجال للهروب ، أو الاختفاء ، قال تعالى : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) .
     والواجب على المسلم وهو يتصور حقيقة هذا البيان ومدلول هذا التوجيه أن ترتعد فرائصه وتخشع جوارحه ويرجف قلبه ، فعين الله على كل فرد ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) . 
         وكل فرد يقوم وحيدا لا يأنس بأحد ولا يعتز بأحد ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) 0
  ويقول الله تعالى ( إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شئ أحصيناه في كتاب مبين ) فالله تعالى أحصى كل شئ عددا في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها . وهذا التوجيه الرباني يفع المسلمين لان يكونوا على علم ومعرفة بما يعود عليهم بالنفع في حياتهم وبالفوز والنجاة في آخرتهم .
عباد الله :
      إن المتأمل لكتاب الله تعالى ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد أن العد والإحصاء وسيلة من وسائل التعليم والتعريف لما أبدع الله في الكون من عجائب قدرته ، وبديع صنعه . فعندما ذكر الله السماوات والأرض ذكر الله عددهن لتعلم حقيقة قدرة الله وانه الرب الذي يجب أن يعبد والإله الذي يجب أن يطاع (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شئ قدير وان الله قد أحاط بكل شئ علما )  .
        وبين سعة علمه وانه لا يحصر ولو اجتمعت وسائل العلم لحصره حتى يشعر الإنسان بضعفه وجهله مهما أوتي من علم ومعرفة ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ) 0
      وعندما أراد الله أن يرغب عباده في فعل الخير وإسداء المعروف حدد بالعدد مقدار ما يناله المسلم من خير كثير على فعله القليل ، وبعد ذلك أطلق المضاعفة لتكون تابعا قويا للمسلم في مجال العطاء والإحسان إلى الفقراء وذوي الحاجات والعاهات ( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) .
     وعند تحذيره من النار وبيانه لما فيها من هول وما يصيب أهلها من بلاء ، ذكر الله عدد أبواب جهنم وطول السلاسل التي يقاد بها العصاة الجاحدون ، قال تعالى : ( وان جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ) وقال تعالى ( خذوه فغلّوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه ، انه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين ) 0
     وقد حدد الله بالعدد كثيرا من المعاني وساق كثيرا من القصص فيها عدد وحصر حتى يسهل حفظها وتيسير فهمها ، وجاءت السنة النبوية والسيرة الزكية والتاريخ الإسلامي يعد المواقف والأحداث زمانا ومكانا وأشخاصا لترسخ في الأذهان وتحفظ على مر الأيام وتحدد للمسلمين معالم الحق وتجعلهم أمة ذات نظام وحضارة بنيت على حقائق علمية ونظرة فاحصة وإدراك سليم وحصر دقيق .
     فحري بالمسلمين اليوم أن يعيدوا سابق عهدهم وسالف أيامهم وان يظهروا الوجه المشرق لتعاليم الإسلام وتوجيهاته وكيف بني الإنسان روحا ومادة وآخرة مما اكسب المسلمين قوة في انطلاقهم وإبداعاتهم وتعاملهم مع أسس الحضارة وعناصر البناء يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك ، واستعن بالله ، ولا تعجز ، وان أصابك شئ فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ولكن قل قدّر الله وما شاء فعل فان لو تفتح عمل الشيطان ) .
      والقوة لا تتحقق إلا بالسعي والحركة واتخاذ الأسباب والوسائل الناجحة للوصول إلى تحقيق الغايات واستدراك ما فات وبذلك يبرأ المسلمون ما أنيط بذممهم من أمانات 0
    أقول قولي هذا واستغفر الله العلي العظيم ولكم من كل ذنب فاستغفروه انه هو الغفور الرحيم 0
الخطبة الثانية
  الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام المتقين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :
     فيا عباد الله ونحن نستقبل لجان التعداد لحصر السكان والمساكن يجب أن نشعر بأهمية هذا العمل وانه ينبني عليه فوائد كثيرة ومصالح جمة تحدد معالم الانطلاق لإحداث تنمية شاملة تقوم على أساس العدل والإنصاف وتراعي محدودية الموارد وقلة الإنتاج مما يجعل كل فرد يطمئن على سلامة التخطيط وعدالة التوزيع فالتعاون من الجميع لإنجاح هذا المسعى الخيّر من باب التعاون على البر والتقوى الذي حث عليه الإسلام ورغّب فيه .
      ولا ينبغي أن ينساب الفرد المسلم وراء الإحباط الذي أصابهم على مر السنوات التي مضت فينظر إلى كل فعل أو نظام أو قانون أو قرار يصدر من الدولة فانه لا اثر له في ارض الواقع وان الاستجابة لتوجيهات الدولة أصبحت ل تؤتي ثمارها المرجوة إضافة إلى الإشاعات الباطلة والدعايات المحبطة والارجافات المثبطة التي تصدر من أناس لا يريدون للبلاد ولا للعباد مصلحة .
        فالمسلم ينطلق لأداء واجبه من خلال إيمانه الذي يدفعه للإسهام بالخير والحث عليه فان حصلت الثمرة فهي الغاية التي يسعى لتحقيقها وإن لم تحصل فقد أدى الواجب الذي عليه والتبعات يتحملها أصحاب النيات السيئة والمصالح الآنية فالأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى
    وصلوا وسلموا عل من أمرتم بالصلاة والسلام عليه ................................



  • إقرا ايضاً