الجمعة 19/04/2024
01:29 بتوقيت المكلا
دور المساجد في نشر العلم

إن المسجد في المفهوم الإسلامي الخاص هو مقر إعلان العبودية الخالصة لخالقنا " وأن المساجد لله فلا تعبدوا مع الله أحداً " ، وبما أن العبادة في المفهوم الإسلامي شاملة جامعة لحياة الإنسان العابد لله تعالى " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " الأنعام 162 –163 0 وبما أن العلم في الأساس شرط أساسي في أداء العبادة الصحيحة بمفهومها الشامل ، فلا بد إذاً من أن يقوم المسجد بدور نشر العلم بل وأن يصبح منارة ومقصداً علمياً 0 وقد قام المسجد بدوره التعليمي منذ أيامه الأولى ، وحث رسول الله على هذا الدور العلمي لقوله  ( من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه كان كأجر حاج تاماً حجه ) أخرجه الطبراني ، وهذا المقصد التعليمي أوضحه وبينه  في حديثه ليفرق بينه وبين العبد الشعائري من إقامة الصلوات في المساجد 0 ولم يقتصر الدور التعليمي للمسجد على الرجال بل نافست عليه النساء ، لما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : قالت النساء للنبي : ( غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يوماً من نفسك فوعدهن يوماً لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن ) 0 وفتح المسجد صدره للمرأة تشهد دروس العلم ليتأكد حق المرأة في تحصيل العلم ومشاركة الرجل في الحياة وقد أعجبت السيدة عائشة أم المؤمنين بإقبال الأنصاريات على العلم فقالت : ( نِعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء من أن يتفقهن في الدين ) 0 وكان رسول الله  يشرف على حلقات العلم التي كانت تنتشر في أرجاء المسجد النبوي الشريف خاصة في بواكير الصباح حيث حدّث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله  مر بمجلسين إحداهما فيه دعاء وإقبال على الله والآخر فيه علم ، فأقرهما وقعد في مجلس العلم وشجع رسول الله  استخدام الوسائل المتاحة آنذاك لتوضيح المعاني والدروس سواء كانت بصرية أو سمعية ، ومن أمثلة ذلك ما رواه ابن مسعود بقوله : خطّ لنا رسول الله خطاً بيده ثم قال : ( هذا سبيل الله مستقيماً ) وخطّ عن يمينه وشماله ثم قال : ( هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعوا إليه ) ثم قرأ " وإنّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " الأنعام 153 0 ولو أن الوسائل التعليمية المتاحة لنا في عصرنا هذا وجدت في عصر رسول الله  لحثّ على استعمالها ، وكان أول من يستعملها  0 واستمر المسجد في التطور والنمو جيلاً بعد جيل ، ليؤدي مهامه في صناعة الحياة ليصبح جامعات ومنارات علمية وفكرية رائدة ، والأمثلة كثيرة نذكر بعضها مثل جوامع الألف – وسميت كذلك لأنه مضى على تأسيسها ألف عام – مثل جامع عمرو بن العاص ،قلب الفسطاط الفكري ، ومهد الحركة العلمية في مصر ، والذي كان يشهد مئات الزوايا العلمية ، والجامع الأموي في دمشق ، وجامع المنصور ببغداد ، وجامع القروين في فاس بالمغرب الذي أمتاز بالنظام التعليمي الجامعي وطرق التدريس فيه ، وكان له شروط دقيقة للتعيين ووظائف التدريس وتخصيص كراسي الأستاذية والإجازات الفخرية ، وكان له مساكن جامعية خاصة للطلبة والأساتذة ومكتبات متخصصة للدارسين الجامعيين ، فقصدها المسلمون وغير المسلمين من شتى أرجاء العلم ،، أما جامع الزيتونة في تونس فقد أبدع في شتى مجالات العلم النقدية والعقلية ، وضمت مكتبته العامرة ما يزيد عن مائتي ألف مجلد وكذلك كان حال الجامع الأزهر الذي بدأ كغيره كمسجد لإقامة الشعائر التعبدية وسرعان ما أصبح جامعة يدرّس فيها العلوم المختلفة ، وتخرج فيها علماء عمالقة في كل مجالات الحياة 0واشتركت كل هذه الجامعات العظيمة في تشجيعها لطلبتها على مبدأ المناقشة والمناظرة والتمرس عليها ، وأصبح من المألوف أن يخالف الطالب أستاذه في الرأي في إطار الأدب المتعارف عليه ، وبهذا أوجدت المدرسة العظيمة التي يطلق عليها بالمسجد – بمفهومه الشامل – أجيالاً ستضل معجزة العالم ومفخرته ، ولها فضل على كل علوم الدنيا شرعية أو كونية أو إنسانية ، حيث كونت أساس النهضة العلمية والصناعية 0


  • إقرا ايضاً